الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فإن صلة الأرحام من أعظم القربات إلى الله تعالى وأجلها، قال تعالى: { واتّقوا الله الذي تساءلون به والأرحام } [النساء:1]
والمسلم في هذه الدنيا يجد في السير إلى رحاب جنة عرضها السموات والأرض وما يعينه في ذلك السير تلمس ثمار القيام بصلة الأرحام ومنها:
1- امتثال أمر الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بصلة الرحم حيث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرنها بعبادة الله تعالى دلالة على عظم شأنها كما في حديث عمرو بن عبسة لما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأي شيء أرسلك الله قال: « بكسر الأوثان وصلة الرحم وأن يوحد الله لا يشرك به شيء » [رواه مسلم].
2- طلب القرب والإحسان والأفضال من الله تبارك وتعالى كما في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال: نعم! أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك، قالت: بلى قال: فذلك لك... » الحديث.
3- طمعاً في دخول الجنة، كما في الحديث الذي رواه ابن ماجة والترمذي والدارمي، عن عبد الله بن سلام قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس قِبَلةُ، وقيل: قد قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم - ثلاثاً- فجئت في الناس لأنظر، فلما تبينت وجهه، عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول شيء سمعته تكلم به أن قال: « يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام »
4- كسب الرزق والبركة في الذرية والذكر الحسن، كما في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم، عن أنس رضي الله تعالى عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « من سره أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه »
5- دفع العقوبة المترتبة على قطيعة الرحم، كما في قوله تعالى: { فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتُقَطِّعُوا أرحامكم ، أولئك الذين لعنهم الله فأصمّهم وأعمى أبصارهم } [محمد 22-23]
وكما في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن محمد بن جبير بن مطعم قال: إن جبير بن مطعم أخبره أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « لا يدخل الجنة قاطع رحم » ، وكذلك في الحديث الذر رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجة وأحمد، عن أبي بكرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ما من ذنب أجدر أن يُعجل الله بصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم »
آداب وضوابط صلة الرحم:
1- أن تستصحب الإخلاص لله تعالى في كل عمل تقوم به، وأن تلزم الالتجاء إلى الله سبحانه ودعائه بأن يوفقك وأن يفتح على يديك، وأن تنطلق مع محبوبات الله أني استقلت ركائبها، مع الاجتهاد في دفع كل ما يعارض هذا الأصل العظيم الذي هو أنفع الأصول وأصلحها للقلب وأعظمها فوائد ونتائج، مع اجتهادك فيه تلجأ إلى الله تعالى في إعانتك عليه وتيسيره لك.
2- التدثر بالصفح والعفو والمسامحة لكل من أخطأ عليك، ومقابلة ذلك بالإحسان { ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالّتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم } [فصلت: 34].
3- أن تستشعر دائماً أن أقاربك وأرحامك أولى الناس بك، وأحقهم بعطفك وخيرك { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } [الأنفال: 75]. روى الإمام أحمد والنسائي وابن ماجة والدارمي عن سلمان بن عامر الضبي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « الصدقة على المسكين صدقة وهي على ذي القرابة اثنتان صلة وصدقة »
4- أن تدرك أن صلة الرحم من أخص صفات المؤمنين بل إنها من أبرز صفات سيد المرسلين كما قالت خديجة رضي الله عنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم مطمئنة له ومهدية من روعه: " كلا لا يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم... " [رواه البخاري ومسلم]. وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت »
5- أن تكون قدوة حسنة في جميع أعمالك وتصرفاتك وأخلاقياتك مع جميع أقاربك ومع غيرهم، مع البعد التام عن الانتصار للنفس، وأن لا يكون في سلوكك ثغرات تفقدك ثقتهم، وانظر إلى سيد الرسل صلوات الله وسلامه عليه لم ينتقم لنفسه قط.
6- أن يروا منك الإيجابية في التعاون معهم، ومسارعتك في قضاء حوائجهم والوقوف في صفهم في الحق، وبذل جاهك وشفاعتك لهم، ومحاولة إيجاد البدائل فيما لم توافقهم عليه من أعمال أو تصرفات.
7- العفو والتجاوز عن حقوقك الذاتية تجاههم، بل تحاول أن تتناساها تماماً. ومن ذلك المكافأة في الصلة فالواصل ليس بالمكافي.
روى البخاري عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس الواصل بالمكافي ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمهُ وصلها".
وروى مسلم عن أبي هريرة أن رجلاً قال يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني وأحسن إليهم ويسيئون إلي وأحلم عنهم ويجهلون علي فقال: « لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على لك »
8- طول النفس، وسعة البال معهم، فالطريق طويل، والصبر جميل، وتدرع بالفأل الحسن، وافتح لنفسك باب الأمل فقد لبث نوح عليه السلام ألف سنة إلا خمسين عاماً وهو يدعو قومه. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كفار قريش بعد ما لاقاه منهم: « إني أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله »
9- إبعاد عنصر اليأس من صلاحهم، فإنه متى تطرق إليك الشك من صلاحهم فقد حكمت على نفسك بالفشل في بداية الطريق.
10-عدم تعليق الفشل وعدم النجاح عليهم فإنك متى عمدت إلى هذا فقدت عنصر التقويم والتعديل والتطوير لنفسك ولم تحاول أن تراجع خطواتك وطريقتك في التعامل معهم، فهذا نبي الله نوح عليه السلام، قام باستخدام جميع الوسائل في نصح قومه، ولم يقتصر على أسلوب بعينه، ويعلن انحراف قومه وفشلهم، بل قال لربه جل وعلا { رب إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً ، فلم يزدهم دعائي إلا فراراً ، وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكباراً ، ثم إني دعوتهم جهاراً ، ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسراراً ، فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً ، يرسل السماء عليكم مدراراً ، ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً ، مالكم لا ترجون لله وقاراً ، وقد خلقكم أطواراً } [نوح: 5-14]
11-أهمية جعل أهداف لصلة الرحم يمكن مراقبتها وقياسها حتى تعلم مدى نجاحك فيها أو تقصيرك، وأسباب الضعف والخلل.
12-الاستعانة بالله جلّ وعلا على دعوتهم إلى الله وتوجيههم مع لزوم الدعاء لهم في ظهر الغيب في كل حال وفي أوقات الإجابة والأزمنة والبقاع الفاضلة.
13-الاهتمام البالغ- وقبل كل شيء- بكسب محبتهم في جميع الطرق التي ترضي الله عزّ وجلّ.
14-التزام الأسلوب الحسن والكلام الطيب، والابتسامة، والبشاشة عند لقياهم والدعاء لهم. فالكلمة الطيبة صدقة، وتبسمك في وجهه صدقة، وطلاقة الوجه صدقة.
15-زياراتهم، والسؤال عن حالهم، والاتصال الهاتفي بهم، ومن الأشياء المعينة على ذلك تخصيص يوم معين لمهاتفتهم، مثلاً: يوم الجمعة.
16-صحبتهم في بعض الرحلات للعمرة، أو الحج، أو النزهة، مع تحمل ما لا يلائمك من عادات وصفات، فهم أولى بذلك من غيرهم.
17-مشاركتهم في أفراحهم، وأتراحهم، ومناسباتهم والمباحات من أعمالهم دون زيادة تسقط الهيبة، وتضعف الشخصية.
18-ملاحظة الأطفال وملاعبتهم، وهذا خلق نبوي رفيع، وهو أدعى وأيسر طريق في كسب محبة أهلهم.
19-الاحتساب في ذلك كله، والإخلاص فيه لله تعالى، دون انتظار الشكر والثناء من أحد منهم، بل إن من الإعداد النفسي كما قال ابن حزم: أن تنظر مقابلة إحسانك عليهم، إساءتهم وتعديهم وظلمهم لك، فإنك في ذلك تحقق هدفين: أن يكون عطاؤك وصلتك لله تعالى، أن لا تصاب بالإحباط والقلق عند عدم المكافئة بالحسنى.
20-الاهتمام بالمناسبات التي يحث عليها ديننا الإسلامي وإحيائها مثل:
الأعياد، قدوم مولود جديد العقيقة، والزواج والوفاة وهكذا.
وسائل صلة الرحم:
أ- اللقاءات والاجتماعات العامة:
1- تحديد لقاءات العائلة بعد مشاروتهم، مثلاً كل أسبوعين، لمن هم في حي واحد، وكل شهر لمن هم في مدينة واحدة، ولقاء سنوي لمن هم متفرقين في المدن الأخرى.
2- محاربة الإسراف وإزالة الكلفة عند أي اجتماع وذلك بأن تبدأ بالدعوة وإظهار البساطة في الضيافة حتى تكون قدوة لهم، مع بيان أن أولى من ينبغي زوال الكلفة فيما بينهم هم الأرحام والأقارب، فإنه متى تكلف أحدهم بطعام فهذا بداية فشل الاجتماعات.
3- بث روح التعارف فيما بينهم وإشعارهم بأهميته في تحقيق التواصل والتكافؤ بين الأرحام، والسؤال والتقصي عن أحوالهم العامة دون الدخول في خصوصياتهم أو ما يحرجهم.
4- التذكير بأهمية صلة الرحم، وفضلها، في جميع اللقاءات، مع ضرب الأمثلة وسياق القصص من السلف وأهل الصلاح في حرصهم واهتمامهم بأرحامهم.
5- توقير كبار العائلة، واحترامهم، وفتح المجال لهم للحديث والمشاركة للاستفادة من قصصهم وتجاربهم وخبراتهم في الحياة.
6- إدخال القصص الطيبة، والطرفة المباحة، والمزاح الخفيف في اللقاءات العائلية.
7- تجهيز مسابقات سهلة وقصيرة، وطرحها خلال اللقاءات، مع جوائز فورية لأصحاب الإجابات الصحيحة، والحرص على مشاركة الأطفال والصبية والفتيات في ذلك.
8- محاولة استخلاص موافقتهم ومشاركتهم في الأعمال الخيرية، ولو بمبالغ زهيدة بشكل مستمر- لاحتمال الفتور- وتكون بمثابة جسور الاتصال، مع تجنب الإحراج لأحد منهم أو الإلحاح عليهم، بل متى رأيت ملامح عدم الموافقة بادية على وجوههم فاسحب الموضوع تماماً.
ب- عمل دليل هاتفي للعائلة:
وذلك عن طريق الاستبانة التي تبين: الاسم الكامل، والعمل، وعنوان السكن، وأرقام الهواتف، وصندوق البريد. ثم طباعته بثوب قشيب، مع تحري كتابات قيمة على الغلاف تحث على صلة الرحم وفضله، ومنزلة التغاضي عن الزلات، وبيان أن الواصل ليس بالمكافيء.
ت- مجلة العائلة:
تحرير صفحتين أو أكثر تحمل اسم مجلة أو رسالة أو أخبار عائلة (فلان) وينبغي أن تكون شهرية، أو دورية، أو سنوية حسب الاستطاعة وتشتمل مثلاً على الأعمدة التالية:
أهمية صلة الرحم، ترجمة عن علم من أعلامها إن وجد، لقاء مع أحد رجالالتها، مشاركة أقلام الأسرة، صفحة المرأة، صفحة الطفل، أخبار الأسرة: من مولود أو نجاح أو تبوء وظيفة، أو صحة، أو مرض، ثم الخاتمة وتذكر فيها بعض التوصيات.
ث- الهدايا:
من أسباب تقوية الأواصر وزوال الإحن ودوام المحبة تبادل الهدايا حتى ولو كانت رمزية بين أفراد العائلة، وسأذكر هنا بعض الهدايا النافعة التي تعم الأسرة، وأما الهدايا العينية فكلٌ أعلم بما يصلح لصاحبه.
1- الاشتراك لهم في مجلة إسلامية تهتم بقضايا الأسرة.
2- الاشتراك لهم في مجلة تهتم بالأطفال.
3- بعض الكتيبات النافعة، والأشرطة المفيدة للعامة، وللنساء، وللشباب وللأطفال.
4- تقاويم وجداول دراسية مع كتابة عبارات توجيهية عليها.
وينبغي اختيار الأوقات المناسبة لذلك، مع استغلال المواسم كرمضان، والحج، والإجازات فيما يناسبها، والاستفادة من صناديق البريد في التوزيع إذا لم يتيسر اللقاء.
5- الاشتراك لهم في برنامج القراءة بالمراسلة التي تصدره دارا القاسم.
فإن صلة الأرحام من أعظم القربات إلى الله تعالى وأجلها، قال تعالى: { واتّقوا الله الذي تساءلون به والأرحام } [النساء:1]
والمسلم في هذه الدنيا يجد في السير إلى رحاب جنة عرضها السموات والأرض وما يعينه في ذلك السير تلمس ثمار القيام بصلة الأرحام ومنها:
1- امتثال أمر الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بصلة الرحم حيث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرنها بعبادة الله تعالى دلالة على عظم شأنها كما في حديث عمرو بن عبسة لما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأي شيء أرسلك الله قال: « بكسر الأوثان وصلة الرحم وأن يوحد الله لا يشرك به شيء » [رواه مسلم].
2- طلب القرب والإحسان والأفضال من الله تبارك وتعالى كما في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال: نعم! أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك، قالت: بلى قال: فذلك لك... » الحديث.
3- طمعاً في دخول الجنة، كما في الحديث الذي رواه ابن ماجة والترمذي والدارمي، عن عبد الله بن سلام قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس قِبَلةُ، وقيل: قد قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم - ثلاثاً- فجئت في الناس لأنظر، فلما تبينت وجهه، عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول شيء سمعته تكلم به أن قال: « يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام »
4- كسب الرزق والبركة في الذرية والذكر الحسن، كما في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم، عن أنس رضي الله تعالى عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « من سره أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه »
5- دفع العقوبة المترتبة على قطيعة الرحم، كما في قوله تعالى: { فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتُقَطِّعُوا أرحامكم ، أولئك الذين لعنهم الله فأصمّهم وأعمى أبصارهم } [محمد 22-23]
وكما في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن محمد بن جبير بن مطعم قال: إن جبير بن مطعم أخبره أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « لا يدخل الجنة قاطع رحم » ، وكذلك في الحديث الذر رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجة وأحمد، عن أبي بكرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ما من ذنب أجدر أن يُعجل الله بصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم »
آداب وضوابط صلة الرحم:
1- أن تستصحب الإخلاص لله تعالى في كل عمل تقوم به، وأن تلزم الالتجاء إلى الله سبحانه ودعائه بأن يوفقك وأن يفتح على يديك، وأن تنطلق مع محبوبات الله أني استقلت ركائبها، مع الاجتهاد في دفع كل ما يعارض هذا الأصل العظيم الذي هو أنفع الأصول وأصلحها للقلب وأعظمها فوائد ونتائج، مع اجتهادك فيه تلجأ إلى الله تعالى في إعانتك عليه وتيسيره لك.
2- التدثر بالصفح والعفو والمسامحة لكل من أخطأ عليك، ومقابلة ذلك بالإحسان { ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالّتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم } [فصلت: 34].
3- أن تستشعر دائماً أن أقاربك وأرحامك أولى الناس بك، وأحقهم بعطفك وخيرك { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } [الأنفال: 75]. روى الإمام أحمد والنسائي وابن ماجة والدارمي عن سلمان بن عامر الضبي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « الصدقة على المسكين صدقة وهي على ذي القرابة اثنتان صلة وصدقة »
4- أن تدرك أن صلة الرحم من أخص صفات المؤمنين بل إنها من أبرز صفات سيد المرسلين كما قالت خديجة رضي الله عنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم مطمئنة له ومهدية من روعه: " كلا لا يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم... " [رواه البخاري ومسلم]. وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت »
5- أن تكون قدوة حسنة في جميع أعمالك وتصرفاتك وأخلاقياتك مع جميع أقاربك ومع غيرهم، مع البعد التام عن الانتصار للنفس، وأن لا يكون في سلوكك ثغرات تفقدك ثقتهم، وانظر إلى سيد الرسل صلوات الله وسلامه عليه لم ينتقم لنفسه قط.
6- أن يروا منك الإيجابية في التعاون معهم، ومسارعتك في قضاء حوائجهم والوقوف في صفهم في الحق، وبذل جاهك وشفاعتك لهم، ومحاولة إيجاد البدائل فيما لم توافقهم عليه من أعمال أو تصرفات.
7- العفو والتجاوز عن حقوقك الذاتية تجاههم، بل تحاول أن تتناساها تماماً. ومن ذلك المكافأة في الصلة فالواصل ليس بالمكافي.
روى البخاري عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس الواصل بالمكافي ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمهُ وصلها".
وروى مسلم عن أبي هريرة أن رجلاً قال يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني وأحسن إليهم ويسيئون إلي وأحلم عنهم ويجهلون علي فقال: « لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على لك »
8- طول النفس، وسعة البال معهم، فالطريق طويل، والصبر جميل، وتدرع بالفأل الحسن، وافتح لنفسك باب الأمل فقد لبث نوح عليه السلام ألف سنة إلا خمسين عاماً وهو يدعو قومه. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كفار قريش بعد ما لاقاه منهم: « إني أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله »
9- إبعاد عنصر اليأس من صلاحهم، فإنه متى تطرق إليك الشك من صلاحهم فقد حكمت على نفسك بالفشل في بداية الطريق.
10-عدم تعليق الفشل وعدم النجاح عليهم فإنك متى عمدت إلى هذا فقدت عنصر التقويم والتعديل والتطوير لنفسك ولم تحاول أن تراجع خطواتك وطريقتك في التعامل معهم، فهذا نبي الله نوح عليه السلام، قام باستخدام جميع الوسائل في نصح قومه، ولم يقتصر على أسلوب بعينه، ويعلن انحراف قومه وفشلهم، بل قال لربه جل وعلا { رب إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً ، فلم يزدهم دعائي إلا فراراً ، وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكباراً ، ثم إني دعوتهم جهاراً ، ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسراراً ، فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً ، يرسل السماء عليكم مدراراً ، ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً ، مالكم لا ترجون لله وقاراً ، وقد خلقكم أطواراً } [نوح: 5-14]
11-أهمية جعل أهداف لصلة الرحم يمكن مراقبتها وقياسها حتى تعلم مدى نجاحك فيها أو تقصيرك، وأسباب الضعف والخلل.
12-الاستعانة بالله جلّ وعلا على دعوتهم إلى الله وتوجيههم مع لزوم الدعاء لهم في ظهر الغيب في كل حال وفي أوقات الإجابة والأزمنة والبقاع الفاضلة.
13-الاهتمام البالغ- وقبل كل شيء- بكسب محبتهم في جميع الطرق التي ترضي الله عزّ وجلّ.
14-التزام الأسلوب الحسن والكلام الطيب، والابتسامة، والبشاشة عند لقياهم والدعاء لهم. فالكلمة الطيبة صدقة، وتبسمك في وجهه صدقة، وطلاقة الوجه صدقة.
15-زياراتهم، والسؤال عن حالهم، والاتصال الهاتفي بهم، ومن الأشياء المعينة على ذلك تخصيص يوم معين لمهاتفتهم، مثلاً: يوم الجمعة.
16-صحبتهم في بعض الرحلات للعمرة، أو الحج، أو النزهة، مع تحمل ما لا يلائمك من عادات وصفات، فهم أولى بذلك من غيرهم.
17-مشاركتهم في أفراحهم، وأتراحهم، ومناسباتهم والمباحات من أعمالهم دون زيادة تسقط الهيبة، وتضعف الشخصية.
18-ملاحظة الأطفال وملاعبتهم، وهذا خلق نبوي رفيع، وهو أدعى وأيسر طريق في كسب محبة أهلهم.
19-الاحتساب في ذلك كله، والإخلاص فيه لله تعالى، دون انتظار الشكر والثناء من أحد منهم، بل إن من الإعداد النفسي كما قال ابن حزم: أن تنظر مقابلة إحسانك عليهم، إساءتهم وتعديهم وظلمهم لك، فإنك في ذلك تحقق هدفين: أن يكون عطاؤك وصلتك لله تعالى، أن لا تصاب بالإحباط والقلق عند عدم المكافئة بالحسنى.
20-الاهتمام بالمناسبات التي يحث عليها ديننا الإسلامي وإحيائها مثل:
الأعياد، قدوم مولود جديد العقيقة، والزواج والوفاة وهكذا.
وسائل صلة الرحم:
أ- اللقاءات والاجتماعات العامة:
1- تحديد لقاءات العائلة بعد مشاروتهم، مثلاً كل أسبوعين، لمن هم في حي واحد، وكل شهر لمن هم في مدينة واحدة، ولقاء سنوي لمن هم متفرقين في المدن الأخرى.
2- محاربة الإسراف وإزالة الكلفة عند أي اجتماع وذلك بأن تبدأ بالدعوة وإظهار البساطة في الضيافة حتى تكون قدوة لهم، مع بيان أن أولى من ينبغي زوال الكلفة فيما بينهم هم الأرحام والأقارب، فإنه متى تكلف أحدهم بطعام فهذا بداية فشل الاجتماعات.
3- بث روح التعارف فيما بينهم وإشعارهم بأهميته في تحقيق التواصل والتكافؤ بين الأرحام، والسؤال والتقصي عن أحوالهم العامة دون الدخول في خصوصياتهم أو ما يحرجهم.
4- التذكير بأهمية صلة الرحم، وفضلها، في جميع اللقاءات، مع ضرب الأمثلة وسياق القصص من السلف وأهل الصلاح في حرصهم واهتمامهم بأرحامهم.
5- توقير كبار العائلة، واحترامهم، وفتح المجال لهم للحديث والمشاركة للاستفادة من قصصهم وتجاربهم وخبراتهم في الحياة.
6- إدخال القصص الطيبة، والطرفة المباحة، والمزاح الخفيف في اللقاءات العائلية.
7- تجهيز مسابقات سهلة وقصيرة، وطرحها خلال اللقاءات، مع جوائز فورية لأصحاب الإجابات الصحيحة، والحرص على مشاركة الأطفال والصبية والفتيات في ذلك.
8- محاولة استخلاص موافقتهم ومشاركتهم في الأعمال الخيرية، ولو بمبالغ زهيدة بشكل مستمر- لاحتمال الفتور- وتكون بمثابة جسور الاتصال، مع تجنب الإحراج لأحد منهم أو الإلحاح عليهم، بل متى رأيت ملامح عدم الموافقة بادية على وجوههم فاسحب الموضوع تماماً.
ب- عمل دليل هاتفي للعائلة:
وذلك عن طريق الاستبانة التي تبين: الاسم الكامل، والعمل، وعنوان السكن، وأرقام الهواتف، وصندوق البريد. ثم طباعته بثوب قشيب، مع تحري كتابات قيمة على الغلاف تحث على صلة الرحم وفضله، ومنزلة التغاضي عن الزلات، وبيان أن الواصل ليس بالمكافيء.
ت- مجلة العائلة:
تحرير صفحتين أو أكثر تحمل اسم مجلة أو رسالة أو أخبار عائلة (فلان) وينبغي أن تكون شهرية، أو دورية، أو سنوية حسب الاستطاعة وتشتمل مثلاً على الأعمدة التالية:
أهمية صلة الرحم، ترجمة عن علم من أعلامها إن وجد، لقاء مع أحد رجالالتها، مشاركة أقلام الأسرة، صفحة المرأة، صفحة الطفل، أخبار الأسرة: من مولود أو نجاح أو تبوء وظيفة، أو صحة، أو مرض، ثم الخاتمة وتذكر فيها بعض التوصيات.
ث- الهدايا:
من أسباب تقوية الأواصر وزوال الإحن ودوام المحبة تبادل الهدايا حتى ولو كانت رمزية بين أفراد العائلة، وسأذكر هنا بعض الهدايا النافعة التي تعم الأسرة، وأما الهدايا العينية فكلٌ أعلم بما يصلح لصاحبه.
1- الاشتراك لهم في مجلة إسلامية تهتم بقضايا الأسرة.
2- الاشتراك لهم في مجلة تهتم بالأطفال.
3- بعض الكتيبات النافعة، والأشرطة المفيدة للعامة، وللنساء، وللشباب وللأطفال.
4- تقاويم وجداول دراسية مع كتابة عبارات توجيهية عليها.
وينبغي اختيار الأوقات المناسبة لذلك، مع استغلال المواسم كرمضان، والحج، والإجازات فيما يناسبها، والاستفادة من صناديق البريد في التوزيع إذا لم يتيسر اللقاء.
5- الاشتراك لهم في برنامج القراءة بالمراسلة التي تصدره دارا القاسم.