في اوائل التسعينيات، وقبل وفاته بأشهر معدودة، كانت لي زيارة للمرحوم الحاج عمر واهروش في بيته بمراكش، صحبة وفد من الاعلاميين والفنانين والرياضيين الذين شاركوا في حفل تكريمه بمسرح الهواء الطلق في اكادير، بفعل مبادرة انسانية كبيرة تحتسب لفريق رجاء اكادير لكرة القدم، تحت قيادة رئيسه السابق عبد الله العروجي، وبحضور السيدة امينة السوسي وزوجها الصحفي اللامع خالد مشبال عن محطة اذاعة طنجة..
لم تكن لملامح واحوال المرحوم عمر واهروش يومها أية علاقة بتلك الصور التي اعتدناها على البوماته الغنائية، بفعل الهزال الشديد، وبفعل علامات المرض النفسي المخيفة التي كانت تجعل أسئلة الحاضرين في بهو منزله، بين ذويه، في واد ، واجاباته المختصرة والمبهمة في واد آخر.
في ذلك اليوم تحديدا، تذكر الكل تلك الابيات المعبرة التي سبق للفنان واهروش ان تغنى بها، وكأنها تنبؤ بمصير سينتهي اليه المبدع نفسه حين قال :
ءيمنعا ءيغاك ءيزوك لعاقل
ءاضن ءيخسان ءيغاباك ءيطس
ومعناها:
ما أصعب يوم تفقد ذاكرتك
وتمرض ، ليجفو النوم مقلتيك
ولد المرحوم الحاج عمر واهروش سنة 1926 بدوار " تيحونا ءيمزيلن" نواحي مراكش، وكانت قصيدته التي تغنى فيها بقصر البديع اولى انتاجاته الفنية سنة 1960 ، في حين ان آخر تسجيلاته الغنائية تعود الى سنة 1987
قبل ان يداهمه المرض ليغيب الموت صوته الجهوري المؤثر خلال اوائل التسعينيات من القرن العشرين.
ورغم القول بارتباط ابداعاته بسنة 1960 ، وذلك طبعا على مستوى التسجيل الصوتي، فإن شهرة المرحوم واهروش انطلقت في الاصل قبل ذلك التاريخ بكثير، اي منذ ابداعه لقصيدته المعروفة " ضابيط" ، تلك القصيدة الثورية والموجهة للمستعمر الفرنسي كإدانة لتعسفاته، العامل الذي دفع بالقائد " محمد المزوضي" الى سجن واهروش ثلاثة اشهر في سجن " امينتانوت" سنة 1952.
ان قصيدة " ضابيط" تبقى نصا نقديا ساخرا من الواقع الاستعماري، مما يدخلها بامتياز ضمن " اغاني المقاومة" في سجل الاغنية المغربية ككل، وهي تصوير يجيش بغليان داخلي ضد مظاهر الحيف والظلم، حيث ان مصطلح " ضابيط" في الاصل يعود على ضريبة غير محددة السقف، يضطر الاهالي لأداءها، مع ما قد يصاحبها من تجاوزات عنيفة،فهي قصيدة مطلعها يلخص المعاناة من القوة الاستعمارية، حيث تكاثر محن الناس وتواليها :
نضالب ءيربي سوترا ءاو ءيكات لعيب
ءاما على كل حال هان دونيت ترميد
ءيكا لهم ءاماكا ءور ءيكي سين ءولا كوز
تانا ءيزرين صبرن ميدن، س تلا تاياض
وهو ما تعريبه:
سترك يارب لكي لاتتفاقم الامور
فالحياة اسودت على كل حال
واصبح الهم جما، ليس بهمين او أربع
وكلما تجاوز الناس محنة، تلتها اخرى
ومباشرة بعد الاستهلال بذلك التلخيص للصورة العامة من نوعية الحياة الاجتماعية السائدة في ظل السلطة الاستعمارية واذنابها،سيركز واهروش بشكل خاص على معاناة اهل البوادي من محنة ضريبة " ضابيط"، على اساس كونها أرهقت كاهل العباد ، سيما وأن " المراقب" يمارس التحايل في سجلاته، وكمثال على ذلك، يقوم بتزوير المعطيات الواقعية استجابة لمنافعه الخاصة اولا، قبل ان يكون مجرد منفذ لما يمليه عليه النسق الاستعماري..
وفقا لذلك، فإن من يمتلك ثلاث حمير تسجل في السجلات بأربع،ومن يمتلك بقرة ذات رضيع فإنها في نفس السجلات تلك تصير ثلاثا،بل، وامعانا في ممارسة سادية الاستغلال والاذلال، يضطر المواطنون للبحث عن الجرذان لتحمل في اعداد كبيرة ، ناهيك عن الكلاب، الى درجة ان كل فلاح امتلك كلبا الا وقاده نحو مكتب المراقب، ونفس الشيء سيتكرر حين ألزم الفلاحون بقيادة أبقارهم نحو الطبيب البيطري( مجرد خدعة):
يات ن سنت ضابيط ءور ءيفل ءاقاريض
ءيكوزد لمراقيب يان صباح ءيبكرد
ءيكا ياواس ، ءيسوس كولو عباد الله
كولو ما يسمون كر ءيناس ءاويتيد
يان دار كراض ءيغويال ءيكاسن كوز
يان دار ءافوناس يورون ءيكن كراض
لباضل ءيسوكيد ءاخوتي ءالن دار اللوز
(….)
ءاما ءاكناري ءيميك س محادان ءيللوز
ءيصيفد ءيغيردم لاحكام نس ءيك ءاكليد
(…)
علمن س ءوغردا زغد نتا ، ءاراس نقاز
ءاسيغ نيت تاغنجاوت ، ءاسيغ ءولا لقوب
ءيلا كرا يوسين ءاريالنس ، ءيعمرتيد
يقول ما معناه:
استنزفت " الضابيط" أموال العباد
فقد بكر المراقب ذات صباح
وفي يوم واحد، نهب جميع الناس
وكل من وفر شيئا ، طالبه به
من له ثلاث حمير، سجلت اربع
ومن يمتلك بقرة ذات رضيع، سجلت ثلاثا
اما عين الباطل فهي اشجار اللوز
بل كاد الصبار ان يمتلك قيمة اللوز
فالمراقب استأسد على العباد
طالبنا بالجرذان، فبدأنا الحفر للبحث عنها
حاملا ملعقتي و " القوب"
فمن الخلق من اتى بعدد جم من الجرذان
انها قصيدة طويلة، استشهدنا منها بتلك الابيات ، وكلها تبرم من معاناة المواطن امام ثقل ضريبة
" ضابيط" ، في هذا المقام لايخفى ان وظيفة القصيدة تجاوزت الوصف المباشر لظاهرة سلبية من ظواهر الواقع الاستعماري، الى تحفيز الجميع على التمرد والمقاومة، بل، يبدو أن في هذه القصيدة بعضا من تأثر المرحوم واهروش بشاعر غنائي آخر، لازمه وتعلم منه العزف، ويتعلق الامر بالفنان الراحل " مولاي علي"، الذي كان من المناضلين الوطنيين، ممن سخروا ابداعهم الفني والشعري الشفوي من اجل حرية واستفلال المغرب..
واذا كانت " ضابيط" تجسد وعي المرحوم واهروش المبكر بضرورة المقاومة من اجل الحرية، فإن تجربته الغنائية اتسمت بعدة خصائص، منها سلامة ووضوح النطق في كل اغانيه، دون ان يجد المستمع ادنى التباس في فهم كلمات معينة، وهو الامر الذي يتكرر في تجارب العديد من الروايس، سواء القدامى منهم او المعاصرين، فصوت واهروش مميز بالوضوح وفي نفس الوقت مميزة اغانيه بأنساق لحنية تكاد تتشابه في تنويعاتها.
اضافة الى ذلك، تتميز اغاني واهروش بكونها لا تتغنى في الجانب الغزلي بمفاتن الجسد، ولو على سبيل الاستعارة، بل، يخضع في الغالب اثناء نظمه للغزل لوازع الضمير الديني والاخلاقي،
كما انه من الروايس القلائل الذين ابدعوا في السرد القصصي الغنائي،
لم تكن لملامح واحوال المرحوم عمر واهروش يومها أية علاقة بتلك الصور التي اعتدناها على البوماته الغنائية، بفعل الهزال الشديد، وبفعل علامات المرض النفسي المخيفة التي كانت تجعل أسئلة الحاضرين في بهو منزله، بين ذويه، في واد ، واجاباته المختصرة والمبهمة في واد آخر.
في ذلك اليوم تحديدا، تذكر الكل تلك الابيات المعبرة التي سبق للفنان واهروش ان تغنى بها، وكأنها تنبؤ بمصير سينتهي اليه المبدع نفسه حين قال :
ءيمنعا ءيغاك ءيزوك لعاقل
ءاضن ءيخسان ءيغاباك ءيطس
ومعناها:
ما أصعب يوم تفقد ذاكرتك
وتمرض ، ليجفو النوم مقلتيك
ولد المرحوم الحاج عمر واهروش سنة 1926 بدوار " تيحونا ءيمزيلن" نواحي مراكش، وكانت قصيدته التي تغنى فيها بقصر البديع اولى انتاجاته الفنية سنة 1960 ، في حين ان آخر تسجيلاته الغنائية تعود الى سنة 1987
قبل ان يداهمه المرض ليغيب الموت صوته الجهوري المؤثر خلال اوائل التسعينيات من القرن العشرين.
ورغم القول بارتباط ابداعاته بسنة 1960 ، وذلك طبعا على مستوى التسجيل الصوتي، فإن شهرة المرحوم واهروش انطلقت في الاصل قبل ذلك التاريخ بكثير، اي منذ ابداعه لقصيدته المعروفة " ضابيط" ، تلك القصيدة الثورية والموجهة للمستعمر الفرنسي كإدانة لتعسفاته، العامل الذي دفع بالقائد " محمد المزوضي" الى سجن واهروش ثلاثة اشهر في سجن " امينتانوت" سنة 1952.
ان قصيدة " ضابيط" تبقى نصا نقديا ساخرا من الواقع الاستعماري، مما يدخلها بامتياز ضمن " اغاني المقاومة" في سجل الاغنية المغربية ككل، وهي تصوير يجيش بغليان داخلي ضد مظاهر الحيف والظلم، حيث ان مصطلح " ضابيط" في الاصل يعود على ضريبة غير محددة السقف، يضطر الاهالي لأداءها، مع ما قد يصاحبها من تجاوزات عنيفة،فهي قصيدة مطلعها يلخص المعاناة من القوة الاستعمارية، حيث تكاثر محن الناس وتواليها :
نضالب ءيربي سوترا ءاو ءيكات لعيب
ءاما على كل حال هان دونيت ترميد
ءيكا لهم ءاماكا ءور ءيكي سين ءولا كوز
تانا ءيزرين صبرن ميدن، س تلا تاياض
وهو ما تعريبه:
سترك يارب لكي لاتتفاقم الامور
فالحياة اسودت على كل حال
واصبح الهم جما، ليس بهمين او أربع
وكلما تجاوز الناس محنة، تلتها اخرى
ومباشرة بعد الاستهلال بذلك التلخيص للصورة العامة من نوعية الحياة الاجتماعية السائدة في ظل السلطة الاستعمارية واذنابها،سيركز واهروش بشكل خاص على معاناة اهل البوادي من محنة ضريبة " ضابيط"، على اساس كونها أرهقت كاهل العباد ، سيما وأن " المراقب" يمارس التحايل في سجلاته، وكمثال على ذلك، يقوم بتزوير المعطيات الواقعية استجابة لمنافعه الخاصة اولا، قبل ان يكون مجرد منفذ لما يمليه عليه النسق الاستعماري..
وفقا لذلك، فإن من يمتلك ثلاث حمير تسجل في السجلات بأربع،ومن يمتلك بقرة ذات رضيع فإنها في نفس السجلات تلك تصير ثلاثا،بل، وامعانا في ممارسة سادية الاستغلال والاذلال، يضطر المواطنون للبحث عن الجرذان لتحمل في اعداد كبيرة ، ناهيك عن الكلاب، الى درجة ان كل فلاح امتلك كلبا الا وقاده نحو مكتب المراقب، ونفس الشيء سيتكرر حين ألزم الفلاحون بقيادة أبقارهم نحو الطبيب البيطري( مجرد خدعة):
يات ن سنت ضابيط ءور ءيفل ءاقاريض
ءيكوزد لمراقيب يان صباح ءيبكرد
ءيكا ياواس ، ءيسوس كولو عباد الله
كولو ما يسمون كر ءيناس ءاويتيد
يان دار كراض ءيغويال ءيكاسن كوز
يان دار ءافوناس يورون ءيكن كراض
لباضل ءيسوكيد ءاخوتي ءالن دار اللوز
(….)
ءاما ءاكناري ءيميك س محادان ءيللوز
ءيصيفد ءيغيردم لاحكام نس ءيك ءاكليد
(…)
علمن س ءوغردا زغد نتا ، ءاراس نقاز
ءاسيغ نيت تاغنجاوت ، ءاسيغ ءولا لقوب
ءيلا كرا يوسين ءاريالنس ، ءيعمرتيد
يقول ما معناه:
استنزفت " الضابيط" أموال العباد
فقد بكر المراقب ذات صباح
وفي يوم واحد، نهب جميع الناس
وكل من وفر شيئا ، طالبه به
من له ثلاث حمير، سجلت اربع
ومن يمتلك بقرة ذات رضيع، سجلت ثلاثا
اما عين الباطل فهي اشجار اللوز
بل كاد الصبار ان يمتلك قيمة اللوز
فالمراقب استأسد على العباد
طالبنا بالجرذان، فبدأنا الحفر للبحث عنها
حاملا ملعقتي و " القوب"
فمن الخلق من اتى بعدد جم من الجرذان
انها قصيدة طويلة، استشهدنا منها بتلك الابيات ، وكلها تبرم من معاناة المواطن امام ثقل ضريبة
" ضابيط" ، في هذا المقام لايخفى ان وظيفة القصيدة تجاوزت الوصف المباشر لظاهرة سلبية من ظواهر الواقع الاستعماري، الى تحفيز الجميع على التمرد والمقاومة، بل، يبدو أن في هذه القصيدة بعضا من تأثر المرحوم واهروش بشاعر غنائي آخر، لازمه وتعلم منه العزف، ويتعلق الامر بالفنان الراحل " مولاي علي"، الذي كان من المناضلين الوطنيين، ممن سخروا ابداعهم الفني والشعري الشفوي من اجل حرية واستفلال المغرب..
واذا كانت " ضابيط" تجسد وعي المرحوم واهروش المبكر بضرورة المقاومة من اجل الحرية، فإن تجربته الغنائية اتسمت بعدة خصائص، منها سلامة ووضوح النطق في كل اغانيه، دون ان يجد المستمع ادنى التباس في فهم كلمات معينة، وهو الامر الذي يتكرر في تجارب العديد من الروايس، سواء القدامى منهم او المعاصرين، فصوت واهروش مميز بالوضوح وفي نفس الوقت مميزة اغانيه بأنساق لحنية تكاد تتشابه في تنويعاتها.
اضافة الى ذلك، تتميز اغاني واهروش بكونها لا تتغنى في الجانب الغزلي بمفاتن الجسد، ولو على سبيل الاستعارة، بل، يخضع في الغالب اثناء نظمه للغزل لوازع الضمير الديني والاخلاقي،
كما انه من الروايس القلائل الذين ابدعوا في السرد القصصي الغنائي،